"إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (آل عمران 160).
[size=16]لقد كان من ثقة النبي صلى الله عليه و سلم بربه أنه كان دائما يعتقد بنُصرة الله له ، و أنه لن يخذله و لن يتخلى عنه سبحانه و تعالى، و كان بعض الصحابة يصابون بإحباط و يأس من كثرة رؤيتهم لقوة الكفار و ضعفهم هم و قلة عددهم فكان النبي عليه الصلاة و السلام يُذَكّر أصحابه في أحلك المواقف بأن المستقبل للإسلام و لذلك لمّا جاء خبّاب بن الأرّت إلى النبي صلى الله عليه و سلم يشكو له الشدة التي أصابته و أصابت أصحابه المسلمين في مكة ، لقد حُرق ظهره ، لقد كَوته مولاته الكافرة بأسياخ الحديد المحمّاه فلم يطفئها إلا وَسخ شحم ظهره لمّا سال عليها و هو يقول : ألا تدعو لنا ، ألا تستنصر لنا ، فيقول النبي صلى الله عيه و سلم [و الله ليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت (في ذلك الطريق الخطر المخوف) لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون] أوردها في أحلك الظروف في مكة ، و لمّا ذهب هو و صاحبه في طريق الهجرة أدركهما سُراقة بن مالك على فرس ، إنهما مُطاردان ، إنهما في حال حرجة جداً ، و يدركهما سُراقة و لكن تسيخ قدما أو يدا الفرس إلى الركبتين فيقول النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك الموقف الحرج و الظرف الحالك لسُراقة [كيف بك إذا لبست سواري كسرى] ما قالها بعد إنتصار بدر مثلاً ، أو بعد فتح مكة ، قالها و هو مُطارد ، مطارد و سُراقة وراءه في الظرف الحرج ، و الكفار يتربصون ، "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ...." (الأنفال 30) يطلبون دم محمد صلى الله عليه و سلم و وضعوا الجائزة العظيمة ثم يقول [كيف بك إذا لبست سواري كسرى] شيء بعيد جداً عن الذهن ، شيء بعيد للغاية لا يُمكن أن يفكر فيه سُراقة أبداً في تلك اللحظة.
لمّا حاصر الأحزاب المدينة و أجتمعوا عليها و تألّبوا ، جمعوا كيدهم بعشرة آلاف ، المسلمون أقل عدداً و عدةً و في ذلك القول و الليل ، الظلمة و الريح الباردة الشديدة ، يعملون بأيديهم في الجوع ، في الظروف القاسية جداً هذا الخوف المُدلهمّ ينزل ليكسر الصخرة و يقول بعد الضربة الأولى [الله أكبر ، أُعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأُبصر قصورها الحمراء الساعة] ضربة أخرى [أُعطيت مفاتيح فارس ، و الله إني لأُبصر قصر المدائن أبيض] الضربة الثالثة [أُعطيت مفاتيح اليمن ، و الله إني لأُبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة] ، متى قالها في أحلك الظروف و أسوأها و قد بلغت القلوب الحناجر و يظنون بالله الظنونا ، أبتُلي المؤمنون و زُلزِلوا زِلزالاً شديدا ، سيأخُذهم الكفار يعبرون الخندق ، سيحصرون ، سيموتون من الجوع تحت الحِصار ، و لكن يردّ الله الذين كفروا بغيظهم بريح لم تُتوقع و بملائكة تنزل.
أيها الأخوة إن النبي صلى الله عليه و سلم لمّا أخبرنا في الأحاديث الصحيحة أن المستقبل للإسلام ، يجب أن نُؤمن بذلك ، لا يجوز إطلاقا أن نشك فيه "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" (التوبة 33)(الصف 9) و لو كره الكفار لابد ، و قال لأصحابه عليه الصلاة و السلام [إن الله زوى لي الأرض (جمعها و ضمها فنظر إليها عليه الصلاة و السلام نظرة حقيقية بعينه حقيقية) فرأيت مشارقها و مغاربها و إن أمتي سيبلُغ مُلكها ما زُوي لي منها] فسيبلغ إذاً مُلك هذه الأمه الليل و النهار و قال عليه الصلاة و السلام [ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر (لا بيت حجر في البلد و لا بيت وبر و شعر في البادية) إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يُعز به الإسلام وذلاً يُذل الله به الكفر] و هذا أمر لم يتحقق بعد فلابد أن يتحقق كما جاء في الحديث الصحيح الآخر [أن عبدالله بن عمرو بن العاص قال بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب (أي نكتُب حديثه) إذ سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتين تُفتح أولاً ، قسطنطينية أو رومية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مدينة هرقل تُفتح أولاً يعني قسطنطينية] (رواه الإمام أحمد و غيره و هو حديث صحيح) ، فروما لم تفتح بعد فلابد أن تفتح لأن النبي عليه الصلاة و السلام أخبر بذلك قال صلى الله عليه و سلم [تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن ا ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت] (رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى و هو حديث صحيح) ، و قال عليه الصلاة و السلام [لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا فإذاً هذه الأحاديث لابد أن تتحقق لأنها خبر من الغيب ، من الله سبحانه و تعالى ، ولابد أن يعتقد المسلمون بأن المستقبل للإسلام قطعاً ، كيف و قد أفلس الغرب و الشرق من القيم و المفاهيم ؟ كيف و قد صاروا في أمر مريج ؟ فما هو الدين المرشّح للانتشار و الظهور و أن يكون هو الذي يقتنع به البشر و يأتون إليه ؟ هو أسرع دين في العالم انتشارا ، الآن في وقت ضعف المسلمين هو أسرع الأديان انتشارا ، فكيف بغيره من الأوقات ؟
عباد الله إن هذه الأحاديث و هذه النصوص الشرعية يجب أن يكون لها في القلب موقع ، يجب الاعتقاد بها ، لماذا أُخبرنا بها ؟ لنستعدّ ، لنأخُذ الأُهبة ، نستعدّ يا عباد الله بالعمل و الإيمان.
[/size]